تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

تعدُّ العدوى بفيروس الهربس عند الأطفال حديثي الولادة (Neonatal Herpes Simplex) حالةً مرضيةً نادرة، لكنها خطيرة، ولها وبائيات متغيرة في جميع أنحاء العالم بسبب اختلاف معدلات المواليد، وتنوع الانتشار المصلي الفيروسي، ويتراوح عدد الإصابات بين 1.6 إلى 8.4 حالة لكل 100.000 مولود حي.

وعلى الرغم من التقدم المهمّ في مجال الرعاية الصحية في الفترة المحيطة بالولادة على مرّ السنين، لا يزال المرض مرتبطاً بمعدلاتٍ عالية من المضاعفات، ومنها الآفات الجلدية المستمرة، والإعاقة العصبية طويلة الأمد، وغيرها من العواقب الدائمة، كما قد يؤدي إلى الوفاة، ويعتبر اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لخفض معدل انتقال العدوى من الأم إلى الطفل ضرورياً لتقليل انتشار المضاعفات، والوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس الهربس البسيط الوليدي.

ويعدُّ التشخيص المبكر، والعلاج الفوري بالأدوية المضادة للفيروسات (Antiviral) أمراً ضرورياً لإنقاذ حياة الطفل لكن حتى لو تمّ علاجه، فقد يعاني الطفل من تلفٍ دائمٍ في الدماغ، أو تحدث الوفاة إذا لم يتمّ علاجه بسرعةٍ كافية. ^[1]

ما هو داء الهربس البسيط الوليدي؟

عدوى مرضية فيروسية خطيرة يسبّبها فيروس الهربس البسيط (HSV) الذي يصيب الأطفال حديثي الولادة، وينتقل إلى الطفل من أم مصابة بالهربس، ويمكن أن تظهر الإصابة في أي وقت خلال أول 28 يوم من حياة الطفل، ويتمّ اكتساب 85 بالمئة من حالات العدوى بالفيروس في الفترة المحيطة بالولادة، و10 بالمئة من الحالات تحدث في الفترة بعد الولادة، وأقل من 5 بالمئة من الحالات تحدث داخل الرحم.

ويمكن أن تؤدي الإصابة أثناء الحياة الجنينية إلى احتشاء المشيمة، أو الاستسقاء الجنيني (تراكم السوائل بشكلٍ زائدٍ في الأنسجة الرخوة للجنين وتجاويف جسمه) أو موت الجنين داخل الرحم، وتظهر معظم الأعراض السريرية بعد الولادة في نهاية الأسبوع الأول من العمر، في حين إن مشاكل الجهاز العصبي المركزي الأكثر خطورةً لن تظهر حتى الأسبوع الثاني من حياة الطفل.

وأقل من ثلث الأطفال المصابين بفيروس الهربس البسيط الوليدي تظهر عليهم علامات الثلاثي المميز، وهي: الحويصلات الجلدية، وأذية العين، وإصابة الجهاز العصبي المركزي، وقد تؤدي الإصابة بفيروس الهربس البسيط الوليدي إلى ضعفٍ وتأخرٍ شديدٍ في النمو والتطور العصبي أو إلى الوفاة. ^{[2] [3] [4]}

ما هي أنواع داء الهربس البسيط الوليدي؟

يمكن تقسيم عدوى الهربس البسيط الوليدي عند حديثي الولادة إلى ثلاث فئات تحددها الأعراض، وهي: ^{[4] [5]}

1- عدوى الهربس المنتشر (Disseminated disease)

تعدُّ أخطر أنواع عدوى الهربس الوليدي، وينتشر فيروس الهربس في هذه الحالة في جميع أنحاء الجسم، ويمكن أن يؤثر على أعضاء متعددة، بما في ذلك الكبد، والدماغ، والرئتين، والكلى، ويمثل ذلك 25 بالمئة من الحالات.

2- عدوى موضعية في الجهاز العصبي المركزي (Localized central nervous system disease)

وتشكل 30 بالمئة من الحالات، وتؤدي إلى اضطراباتٍ مرضية في وظيفة الدماغ والنخاع الشوكي بما في ذلك النوبات الاختلاجية، ويمكن أن تكون مع أو بدون إصابة جلدية، ولا تترافق مع إصابة حشوية.

3- وجود عدوى موضعية فقط (Localized infection)

وفي هذه الحالة تقتصر الإصابة على الجلد، أو العينين، أو الفم، وتعرف اختصاراً باسم مرض SEM، وتشكل 45 بالمئة من الحالات، وتكون عبارةً عن بثورٍ صغيرةٍ مملوءةٍ بسائلٍ تنفجر، وتتقشر، وتلتئم.

ما هي أسباب الإصابة بداء الهربس البسيط الوليدي؟

هناك نوعان من فيروس الهربس البسيط، وهما: فيروس الهربس البسيط من النوع الأول (Herpes simplex virus type 1 (HSV-1))، وفيروس الهربس البسيط من النوع الثاني (Herpes simplex virus type 2 (HSV-2))، ويبدو أن كلاهما لهما نفس النشاط. ومع ذلك فإن عدوى النوع الأول تنتقل بشكلٍ أكثر شيوعاً عن طريق الاتصال الفموي، وتسبّب التهاباتٍ حول الفم، في حين أن عدوى النوع الثاني تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، وتصيب المنطقة التناسلية بشكلٍ أكبر.

معظم حالات العدوى الخلقية للجنين تنتج عن فيروس الهربس البسيط من النوع الثاني (HSV-2)، ولكن وجد أن 15 إلى 30 بالمئة منها ناجمة عن فيروس الهربس البسيط من النوع الأول (HSV-1)، ويمكن أن تنتقل العدوى إلى الوليد أثناء الولادة الطبيعية في معظم الحالات، أو من خلال الاتصال بالفيروس بعد الولادة إما بشكلٍ مباشر عن طريق تقبيل الطفل، أو بشكلٍ غير مباشر، وذلك من خلال ملامسة منطقة بها عدوى نشطة كآفات الفم، أو الجلد، أو البثور ثم لمس الطفل على الفور.

ويمكن أيضاً أن تنتشر الإصابة أثناء الرضاعة الطبيعية إذا كانت الأم مصابةً بعدوى فيروس الهربس البسيط على الثدي أو الحلمة، وفي حالاتٍ نادرة جداً يمكن أيضاً أن يصاب الأطفال بالعدوى داخل الرحم من خلال المشيمة أو عنق الرحم. ومن غير المرجح أن تنقل الأم العدوى إلى طفلها في حال حدثت لديها الإصابة بالهربس التناسلي قبل الحمل، أو أصيبت بالعدوى الأولية في وقتٍ مبكر من الحمل، وذلك لأنه مع مرور الوقت يتطور لديها أجسام مضادة وقائية، والتي تنتقل بعد ذلك إلى الطفل أثناء الحمل.

ويكون الأطفال أكثر عرضةً لخطر الإصابة بالهربس الوليدي إذا أصيبت الأم بفيروس الهربس البسيط من النوع الثاني (HSV-2) لأول مرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل (28-40 أسبوعاً)، وذلك لأن الأم المصابة حديثاً لم يكن لديها الوقت الكافي لتطوير أجسام مضادة ضدّ فيروس الهربس 2، والطفل فائق الخداجة (الذي يولد قبل الأوان في الأسبوع 28 أو قبله) هو أيضاً أكثر عرضةً للخطر، وذلك لأن الأجسام المضادة لدى الأم لم يكن لديها ما يكفي من الوقت لتمريرها إلى الطفل. ^[6]

ما هي أعراض الإصابة بداء الهربس البسيط الوليدي؟

1- عدوى الهربس المنتشر

يمكن أن تظهر العدوى المنتشرة على شكل أعراض غير محددة، مثل: الخمول، وسوء التغذية، والحمى، وانقطاع التنفس، والنوبات الاختلاجية، وضخامة الكبد، واليرقان، والتخثر المنتشر داخل الأوعية، وإصابة الكلى، وإصابة الجهاز العصبي المركزي (توجد في 60 إلى 75 بالمئة من الحالات)، والالتهاب الرئوي، والذي يميل إلى الحدوث في اليوم الرابع إلى السابع، ويسبّب ضيقاً في التنفس.

ويمكن أن يتطور إلى التهابٍ رئوي نزفي، ويظهر على الأشعة السينية للصدر بشكل إصابةٍ رئويةٍ منتشرة، ومتوسط ​​العمر عند ظهور عدوى الهربس المنتشر هو حوالي 11 يوماً بعد الولادة، وإن أكثر من 40 بالمئة من حالات مرض الهربس البسيط المنتشر لا تترافق مع أعراض جلدية، مما قد يؤدي إلى صعوبةٍ في تشخيص الإصابة على الفور، ولسوء الحظ إذا ترك الشكل المنتشر دون علاج، فإنه يكون مميتاً في 85 بالمئة من الحالات، ومن بين أولئك الذين سيبقون على قيد الحياة، سيعاني حوالي 65 بالمئة من مشاكل عصبية حادة.

2- العدوى الموضعية في الجهاز العصبي المركزي

المظهر العصبي الأكثر شيوعاً لعدوى الهربس الوليدي هو التهاب الدماغ، والذي يتميز عادةً بالنوبات الاختلاجية البؤرية أو المعممة (في حوالي 67 بالمئة من الحالات)، والخمول، وسوء التغذية، وعدم استقرار درجة الحرارة في حوالي نصف الحالات تقريباً، وانتفاخ اليافوخ (فجوة موجودة بين عظام الجمجمة عند الرضيع تمكنه من عبور القناة التناسلية أثناء الولادة دون أذية)، والتهيج، والفحص العصبي غير الطبيعي، مثل: نقص أو فرط التوتر.

وقد يصاب الرضع الذين يعانون من الحالات الشديدة بانقطاع التنفس أو الغيبوبة أو الشلل، ومتوسط ​​العمر عند ظهور إصابة الجهاز العصبي المركزي هو حوالي 16 يوماً بعد الولادة، وما يقارب من 60 إلى 70 بالمئة من الرضع المصابين سيكون لديهم أيضاً مظاهر جلدية في مرحلة ما من مسار المرض، والوفيات عادةً ما تكون نتيجةً لأذية الدماغ  الشديدة وضموره، وبسبب الاضطرابات العصبية الشديدة المرافقة.

3- العدوى الموضعية في الجلد، أو العين، أو الفم (مرض SEM)

يرتبط عادةً بأفضل النتائج، ومع عدم وجود وفيات تقريباً، ولا توجد عقابيل عصبية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الرضع المصابين بمرض (SEM) هم الأكثر عرضةً للإصابة بآفاتٍ جلدية (في أكثر من 80 بالمئة من المرضى)، مما يسهل التشخيص، ويسمح بالبدء الفوري بالعلاج المضاد للفيروسات قبل أن يتطور المرض ليشمل الأعضاء الأخرى، وتشمل علامات وأعراض مرض (SEM) الحويصلات الجلدية، والحمى، والخمول، والتهاب الملتحمة، ومتوسط ​​العمر عند ظهور أعراض المرض هو حوالي 12 يوماً بعد الولادة. ^{[3] [7] [8]}