Skip links
صورة شعاعية للأسنان وبجانبها مجسم للأسنان

طب الأسنان الشرعي – المهام الأساسية والأساليب المستخدمة

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

طب الأسنان الشرعي (Forensic Odontology) هو استخدام علم الأسنان في التحقيقات القانونية، ويعتبر فرعاً من فروع العلوم الشرعية الذي يتعامل مع جمع الأدلة السنية ومعالجتها، والتحقيق الدقيق فيها، وحفظها للاستخدام المستقبلي، وشهد هذا المجال تغييراتٍ كبيرة في جمع البيانات وتفسيرها، والإجراءات الأخرى المُتّبعة فيه.

وتشمل تطبيقاته الرئيسية تحديد هوية الجثث بناءً على السجلات السنية المسجلة مسبقاً للأشخاص قبل الوفاة، ويساعد أيضاً في التعرف على الجثث المشوّهة بشكلٍ كبير إلى درجة تتعذر معرفتها، مثل: الوفيات الناجمة عن الزلازل، والانهيارات الأرضية، والانفجارات والقنابل، وحوادث الطائرات، والقطارات، والسيارات.

المهام الأساسية لطب الأسنان الشرعي

1- تحديد هوية الأفراد لاسيما الضحايا، سواءً في التحقيقات الجنائية أو الكوارث الجماعية.

2- الفحص التشخيصي والعلاجي، وتقييم الإصابات في الفكين، والأسنان، والأنسجة الفموية الرخوة.

3- التعرف على علامات العض، وفحصها، وتقييمها، والتي تظهر أحياناً في حالات إساءة معاملة الأطفال، والاعتداء الجنسي، والدفاع عن النفس.

يتمُّ عادةً استخدام تقنياتٍ عديدة للتعرف على الأفراد، مثل: التعرف البصري، والمعلومات الشخصية (الطول، البنية، العمر، ونوع الشعر)، وبصمات الأصابع، وتحليل الحمض النووي، والمعلومات الطبية، مثل: (الندوب، والوشوم، والعلامات الولادية)، وتحديد الهوية عن طريق الأسنان.

والتي تعدُّ ذات أهميةٍ كبيرة نظراً لأن الأنسجة السنية غالباً تبقى محفوظةً لفترةٍ طويلةٍ بعد تعرض الشخص للحرق، أو التشريح، أو التحلل، أو التحول إلى هيكلٍ عظمي، مما يؤكد أهمية طب الأسنان الشرعي الذي شهد تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، ويحمل أطباء الأسنان الشرعيون مسؤولياتٍ والتزاماتٍ أكبر. [1]

الأساليب المستخدمة في طب الأسنان الشرعي

1- الحفاظ على سجلات الأسنان

تعتمد عملية تحديد الهوية باستخدام طب الأسنان الشرعي على توفر وكفاية ودقة سجلات الأسنان التي تمّ جمعها قبل الوفاة، وشهدت طرق جمع البيانات والتقنيات المساعدة المستخدمة في تحديد الهوية تحولات كبيرة، تمّ رصد تطوراتٍ في الأساليب التقليدية المستخدمة في حفظ سجلات الأسنان، والذي يعدُّ واجب طبيب الأسنان، ويخدم كمصدرٍ مهمٍّ للمعلومات للأطباء والمرضى، ولأغراض قانونية وشرعية.

تتوفر سجلات الأسنان بأشكال مختلفة، مثل: الملاحظات، والجداول السنية، والصور الشعاعية، والصور الفوتوغرافية، والنماذج الجبسية، ويعدُّ الحفاظ على هذه السجلات أمراً إلزامياً في الدول الغربية، وقد تمّ استخدام سجلات الأسنان في العديد من الكوارث، مثل: كارثة مركز التجارة العالمي، وكارثة تسونامي المحيد الهندي في 2004، كما تزداد أهمية السجلات الإلكترونية بسبب القدرة على شبكها، ونقلها بسهولة للاستشارات المهنية الروتينية أو في الحالات الشرعية. 

2- تقنيات التصوير السني

في الحالات التي لا تتوفر فيها سجلات سابقة للمقارنة يستخدم التصوير الشعاعي كوسيلةٍ بديلة لتحديد الهوية، حيث يمكن الحصول على صورٍ شعاعية للمتوفي، ومقارنتها مع الصور الشعاعية المتوفرة للشخص المشتبه به، تشمل المعايير المستخدمة في الصور الشعاعية السنية شكل الأسنان والجذور، الأسنان الموجودة، الأسنان المفقودة، الجذور المتبقية، الأسنان الزائدة، الآفات غير النخرية.

مثل: التآكل، الاحتكاك، الكسور، امتصاص العظم نتيجةً لأمراض اللثة، أمراض العظام، الفجوات بين الأسنان، النخور السنية، العلاج اللبّي، الأوتاد داخل الجذر، الأوتاد داخل التاج، والتعويضات السنية. تتيح الأشعة التقليدية البانورامية ملاحظة شكل وحجم التاج، تشريح اللب، العظم السنخي، وما إلى ذلك. تكشف صور التصوير المقطعي المحوسب (CT) عن المقطع العرضي للمناطق المكشوفة، وتنتج صورًا متعددة.

توفر صور (CT) قبل الوفاة معلوماتٍ يمكن استخدامها في إنشاء صورة محاكاةٍ بعد الوفاة، كما تعدُّ الصور الفوتوغرافية للوجه وصور الابتسامة التي تظهر خصائص مميزة لكل فرد بمثابة مساعدةٍ قيمة في تحديد الهوية الشرعية.   

3- تحديد العمر بناءً على البيانات السنية

تقييم العمر هو أحد مهام العلوم الشرعية، وهو إجراءٌ ضروري لتحديد الهوية، خصوصاً عندما تكون الأدلة المتعلقة بالمتوفي غير متاحة. تتبع الأسنان البشرية تسلسلاً تطورياً متوقعاً وثابتاً بدءاً من حوالي أربعة أشهر بعد الحمل واستمراراً حتى منتصف العقد الثالث من العمر عند اكتمال تطور جميع الأسنان الدائمة.

يمكن تقييم العمر عن طريق دراسة بزوغ الأسنان لدى الطفل، وتكون الاستنتاجات قريبة بمدةٍ تزيد أو تقل عن سنة ونصف. يتمُّ تحديد العمر أيضاً بناءً على درجة تكوين التاج، والجذور، والتداخل بين الأسنان اللبنية والدائمة، بالإضافة إلى التغييرات الأخرى التي تلاحظ مع تقدم العمر، مثل: التآكل، وأمراض اللثة، وتكوين العاج الثانوي، وتغير لون التاج أو الجذور.

4- تحديد الجنس

غالباً ما يواجه الأطباء الشرعيون مشكلةً في تحديد الجنس باستخدام بقايا الهيكل العظمي، خاصةً عندما يتمُّ استعادة أجزاء فقط من الجسم في حالات الانفجارات النووية، والكيميائية، والكوارث الطبيعية، يمكن استنتاج جنس المتوفي باستخدام خصائص الأسنان والجمجمة.

حيث تختلف تضاريس الأسنان، مثل: حجم التاج، والشكل، وطول الجذور بين الجنسين، وهناك أيضاً اختلافات في أنماط وصفات الجمجمة بين الجنسين، يمكن تأكيد الهوية الجنسية من خلال الفحص المجهري للأسنان عبر وجود أو عدم وجود الصبغي y وتحليل الحمض النووي (DNA).

5- تحليل علامات العض

يمكن ملاحظة علامات العض على الأنسجة البشرية في الحوادث العنيفة، مثل: الجرائم الجنسية، حالات إساءة معاملة الأطفال، والجرائم التي تتضمن مواجهات جسدية، مثل: القتل، ويمكن أن تحدث في الحالات التي يعضُّ فيها المعتدي الضحية أو يعضُّ الضحية المعتدي كردّ فعلٍ دفاعي، أسطح العضّ الفردية لمجموعات الأسنان المختلفة فريدة ومرتبطة بوظيفتها.

وتظهر أيضًا خصائص فردية، مثل: الكسور، الدوران، الأسنان المفقودة، أو الأسنان الزائدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يرتبط عرض الأقواس السنية بعمر المعتدي. العوامل المؤثرة في تحليل علامات العضّ هي الموقع التشريحي، الشدة، وجودة علامات العضّ لها أهمية في تحديد هوية الفرد. يجب جمع المعلومات مثل (الاسم، العمر، الجنس، التاريخ)، الموقع، الحجم، الشكل، اللون، نوع الإصابة، والمسحات من ضحية العض.

في حالة العضات التي لا تكون مرئيةً للعين المجردة، يمكن استخدام تقنية الإضاءة بالأشعة فوق البنفسجية لإظهارها. يجب أن يتضمن جمع الأدلة من المشتبه به في العضّ موافقةً صحيحة، تاريخًا مفصلًا، صورًا فوتوغرافية، تفاصيل الفحص الخارجي والداخلي للفم، بالإضافة إلى بصماتٍ عالية الجودة للأقواس العلوية والسفلية.

6- بصمات اللسان

يُعتبر اللسان العضو الداخلي الوحيد الذي يمكن كشفه بسهولة للفحص، ويبرز من الجسم، مما يجعله مميزًا في كل من الشكل والملمس السطحي لكل فرد. تطبيق بصمات اللسان في تحديد الهوية الجنائية لا يزال في مراحله الأولى، ولضمان فعالية هذا النهج، يجب أن تكون بصمة اللسان أو الصورة قبل الوفاة متاحة.

يمكن استخدام عملية تشكيل الألجينات لنسخ الخصائص الدقيقة الفريدة لكل فردٍ مع الحفاظ على الجوانب المورفولوجية للسان، وقد توفر بصمة اللسان والصورة المصاحبة تقنياتٍ آمنة للتعرف في طب الأسنان الشرعي.

7- بصمات الشفاه

تدعى دراسة بصمات الشفاه علم الشفاه (Cheiloscopy)، وتعمل بصمات الشفاه كمؤشراتٍ لتحديد الهوية للضحايا والمشتبه بهم، وقد تمّ اكتشاف أنه لا يوجد شخصان لهما نفس نمط بصمة الشفاه.

8- أنماط طيات سقف الفم

علم طيات سقف الفم (Rugoscopy) هو دراسة أنماط طيات سقف الفم حيث إن الطيات قد تكون مستقيمة، منحنية، دائرية، أو متموجةً في الجزء الأمامي من الحنك الصلب، وتكون مفيدةً لأنها أفضل نسيجٍ ناعمٍ محمي، ويسهل الوصول إليه خلال الحياة وبعدها. 

9- تحليل الحمض النووي (DNA)

يعدُّ تحليل الحمض النووي أداةً مهمة في مجال طب الأسنان الشرعي، ويكتسب أهميةً عندما تفشل طرق التعرف التقليدية بسبب تأثيرات الحرارة، والإصابات، أو عمليات التحلل الذاتية، أو التشوهات، وصعوبات التحليل. هناك العديد من المواد البيولوجية، مثل: الدم، السائل المنوي، العظام، الأسنان، الشعر، واللعاب التي يمكن استخدامها لإجراء تحليل الحمض النووي. وتُعتبر الأسنان مصدرًا ممتازًا للحمض، حيث يتمُّ بعد ذلك مقارنة الحمض النووي مع العينات السابقة للوفاة، مثل: الدم المخزن، فرشاة الشعر، الملابس.

10- إعادة بناء الوجه

يستخدم طب الأسنان الشرعي فقط في الحالات التي يتمّ فيها تدمير وجه الشخص بوسيلةٍ ما بحيث لا يمكن التعرف عليه، ويعمل محترفو الطب الشرعي على تحديد هوية بقايا الإنسان المستردة (سواءً كانت الجثث كاملةً أو مجزأة). في الكوارث الكبرى والحوادث، قد يتحلل أو يتهشم جسد الشخص الميت، ففي مثل هذه الحالات، قد يكون الجزء الوحيد المتبقي هو الجمجمة والعظام الأخرى.

تستخدم طريقة إعادة بناء الوجه المحوسبة كاميرا فيديو ليزرية مرتبطةً بجهاز حاسوب أو مع التصوير المقطعي المحوسب (CT). يتمُّ تصوير بيانات الجمجمة كسطحٍ ثلاثي الأبعاد مظلل بالكامل، ويمكن رسم الوجه بمساعدة برامج الحاسوب (مثل: برنامج Vitrea 2.3 لتصور الحجمي).

وقد وجد أن التصوير الثلاثي الأبعاد بالتصوير المقطعي (3D-CT) يكون أكثر دقةً من التصوير الذي يتمُّ مباشرةً على شرائح التصوير المقطعي أو إعادة بناء الصور الثنائية الأبعاد بالتصوير المقطعي (2D-CT). على الرغم من أنه قد لا يتمّ صنع صورة دقيقة للوجه، إلا أن هذه الطريقة تساعد بشكلٍ رائع في تحديد هوية الفرد، تعتبر إعادة بناء الوجه أداةً قويةً في الطب الشرعي، خاصةً في الحالات التي تكون فيها البقايا البشرية مشوهةً أو متحللة بشكلٍ كبير، مما يجعل من الصعب التعرف على هوية الشخص بالطرق التقليدية.                      

وأخيراً يعدُّ طب الأسنان الشرعي أحد فروع طب الأسنان التي تتميز بإمكانياتٍ كبيرة للتطور السريع في موقع الجريمة، ويلعب دوراً رئيسياً في التحقيق، وتفسير الأدلة السنية. إن طبيعة تشريح الأسنان المميزة، والترميمات المخصصة تضمن الدقة عند استخدام التقنيات بشكلٍ مناسب، ويجب بذل جهدٍ مستمر لتحويل جميع البيانات المتاحة إلى شكلٍ رقمي لتسهيل المقارنة.

يجب أن تكون هناك جهودٌ للحفاظ على السجلات السنية التي ستكون كبياناتٍ أساسية، ويتحمل كل محترفٍ في مجال طب الأسنان مسؤولية فهم الجوانب الشرعية المرتبطة بممارسة طب الأسنان. يجب أن يتمّ توعية الأطباء الممارسين وطلاب طب الأسنان بالتقنيات المتاحة، واستخدامها في مجال طب الأسنان الشرعي، كما يجب تشجيع الأبحاث الجديدة في هذا المجال، والتي ستمهد الطريق لاستخدام تقنياتٍ أحدث في تحديد الهوية البشرية. [1] [2] [3]

المراجع البحثية

1- Pendharkar،  S. S. (2024). Forensic odontology: A new dimension in dentistry. International Dental Journal of Student’s Research،  12(1)،  3–6. Retrieved June 11،  2024

2- Mohammed،  F.،  Fairozekhan،  A. T.،  Bhat،  S.،  & Menezes،  R. G. (2023،  August 14). Forensic odontology. StatPearls – NCBI Bookshelf. Retrieved June 11،  2024

3- Jeddy N،  Ravi S،  Radhika T. Current trends in forensic odontology. J Forensic Dent Sci. (2017 Sep-Dec). Retrieved June 11،  2024

This website uses cookies to improve your web experience.