تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

منذ أكثر من خمسين عاماً، وبالتحديد عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين بدأت عمليات زراعة القلب البشري بالظهور على الساحات الطبية، وتعرف عمليات زراعة القلب (Heart Transplantation) بأنها إزالة العضو الأساسي من جسم المريض، ووضع عضوٍ مأخوذٍ من متبرّعٍ مطابقٍ له في كثيرٍ من الجوانب التي سترد في هذا المقال.

يعدُّ القلب من الأعضاء النبيلة في الجسم، أي إن إصابته بالأمراض الشديدة والقصور الوظيفي في بعض الأحيان يؤهب الكادر الطبي لاتخاذ القرار في استبداله حال توفر كافة الشروط اللازمة، ويتطلب إجراء هذه العملية الخطيرة مركزاً طبياً مختصاً، وطبيباً خبيراً بزراعة الأعضاء وجراحة القلب خاصةً، وتعدُّ الخيار العلاجي الأخير بعد القيام بكل احتمالات المعالجة الدوائية والجراحية لتدبير حالة المريض. ^[1]

ما هي استطبابات زراعة القلب؟

تجرى العمليات الخاصة بزراعة القلب في حالات قصوره الشديد أي توقفه عن العمل في ضخّ الدم، وتلبية حاجات خلايا الجسم من الأوكسجين نتيجة إصابته ببعض الأمراض المزمنة الشديدة منها: ^[2]

1- اعتلال العضلة القلبية (Cardiomyopathy)

وهي ضعف في الألياف العضلية القلبية تمنعه من ضخ الدم بالقوة الكافية.

2- أمراض الشرايين الإكليلية (Coronary artery disease)

وهي الشرايين التي تؤمن التروية للقلب إذ يصاب القلب بالقصور في حال انسداد هذه الشرايين أو التضيقات نتيجة العصائد الشريانية، وأحياناً تصاب بالتهابات الأوعية، وغالباً تدبر هذه الحالات بالجراحة دون الحاجة لزراعة القلب.

3- أمراض الصمامات (Heart Valve disease)

وذلك في المرحلة الأخيرة من قصور الصمامات القلبية (غالباً الأبهر أو التاجي) التي تؤدي لتضخماتٍ وتوسعاتٍ في أجواف القلب، وبالتالي عجزه، وإصابته بالفشل.

4- آفات القلب الخلقية (Congenital Heart Defect)

تنجح هذه العمليات في حالاتٍ نادرة للأطفال لأنهم غالباً غير قادرين على تحمل العمل الجراحي واختلاطاته، ومن هذه الآفات رباعي فالو (Fallot’s Tetrad) وتبدل منشأ الأوعية الكبيرة TGA.

5- قصور القلب والكلية (Heart and Kidney Failure)

في هذه الحالة يقوم الطبيب الجراح بزراعة القلب والكلية معاً في حال وجود الأعضاء المناسبة من المعطي.

6- اضطرابات النظم المهددة للحياة مثل اضطرابات النظم القلبية البطينية (Ventricular arrhythmias)

وذلك في حال فشل سيطرة المعالجة الدوائية على الحالة المرضية.

7- فشل عملية زراعة قلب سابقة

وغالباً يكون الموت مصير هذا المريض.

مضادات استطباب عملية زراعة القلب

ورد فيما سبق أغلب الاستطبابات التي تجرى عملية زراعة القلب فيها، وعلى الجانب الآخر يوجد العديد من مضادات الاستطباب التي يتمّ أخذها بعين الاعتبار، مثل: وجود حالةٍ إنتانيةٍ فعالة في جسم المريض، كإصابته بفيروسات التهاب الكبد B أو C، أو أنه مريض إيدز (مصاب بفيروس عوز المناعة المكتسب) غير معالج أو معالج بشكل غير كاف. أما المريض المتماثل للشفاء والخاضع للعلاجات واللقاحات يستطب لديه إجراء العملية.

أما الأشخاص الذين لا يجب خضوعهم لعملية زراعة القلب هم المرضى المصابين بالأمراض الكلوية المزمنة، وتحسب قدرة الكلية على تحمل هذه العملية بناءً على معدل الترشيح الكبي (Glomerular Filtration)، كقصور القلب، والاعتلالات الوعائية أو أمراض الدم، كالناعور، واضطرابات التخثُّر، والسكتات الدماغية الحديثة، وذلك تجنباً لخطر النزف والإصابة بالصدمة النزفية المؤدية للموت، كما يمنع مرضى الأورام باختلاف أنواعها من الخضوع لعمليات الزرع بسبب ضعف المناعة لديهم.

كما يستثنى مرضى السكري غير المضبوط (كالشخص غير الملتزم بالحمية أو الأدوية المخفضة لسكر الدم) بسبب زيادة احتمالية إصابتهم باعتلال الأعصاب والأوعية. تعدُّ العادات الصحية السيئة، كالتدخين المفرط، وتعاطي الكحول والمخدرات، والمصابين بالبدانة نتيجة نمط الحياة المغلوط من مضادات الاستطباب النسبية لإجراء عمليات زرع القلب. ^{[2] [3]}

ما هو تكنيك العمل الجراحي في عمليات زرع القلب؟

توجد طريقتان لإجراء عملية زراعة القلب، وتعدُّ زراعة القلب في الموضع الصحيح (Orthotopic Heart Transplantation) هي الطريقة الأشيع، ويوضح من اسم العملية أنها تجرى بإزالة قلب الشخص الآخذ بدون إزالة الأوعية الكبيرة الرئيسية، ووضع القلب المتبرع به في نفس الوضعية التشريحية الصحيحة، ومفاغرته مع أوعية الشخص نفسها.

أما الطريقة الأقل شيوعاً هي زراعة القلب في موضعٍ مختلف أو مغاير (Heterotopic Heart Transplantation)، وتوجد حالات قليلة حول العالم، وهي لا تتمّ بإزالة قلب الآخذ تماماً، وإنما بزراعة قلب المعطي داخل التجويف الصدري، ومفاغرة أو إيصال أوعية قلب المعطي الرئيسية مع أوعية الآخذ.

يقوم الطبيب الجراح بإزالة القلب المريض في الطريقة الأولى بفتح القفص الصدري عبر عظم القص، أي من المنتصف بواسطة المنشار الجراحي، ويتمُّ بعدها اختراق غشاء التامور المحيط بالقلب، وبعدها يقوم بقطع الشرايين والأوردة الموصولة بالقلب، ووضع قثاطر خاصة بكل وعاء (للوريد الأجوف العلوي فوق ملتقى الوريد مع الأذينة اليمنى، والوريد الأجوف السفلي توضع فوق الحجاب الحاجز)، لتوصيله مع دارة القلب المفتوحة (Cardiopulmonary bypass).

وهو جهاز ضخم يُستخدم في عمليات القلب المفتوحة، كما يزوّد الدم بمضادات التخثُّر، مثل: الهيبارين لمنع التجلطات أثناء العملية وبعدها، وتعمل الآلة قبل عشرة دقائق من وصول القلب المتبرع به والمحافظ على حيويته في شروط حفظ محددة، ويوصل القلب مع أوعية المريض وفق خطواتٍ اختصاصية يقوم بها الجراح. ^[4]

ما هي اختلاطات عملية زرع القلب؟

لهذه العملية خطورة كبيرة على المريض، ولها عدة اختلاطاتٍ أهمها: الرفض المناعي بأنواعه الحاد وتحت الحاد والمزمن، وتختلف هذه الأنواع بناءً على الفترة الزمنية اللازمة لحدوث أعراض الرفض المناعي، وهي ناتجة عن عدم تعرف الجهاز المناعي للشخص الآخذ مع العضو المزروع، إذ يعتبره جسماً غريباً، ويبدأ بتشكيل الأضداد لمهاجمته، وهو اختلاطٌ خطيرٌ مهدّدٌ للحياة.

أما الاختلاط الشائع الآخر هو الإصابة بالعدوى كونها عملية ضخمة، وتتطلب عدة أدوات، ولا سيما في حال إجراء العملية لدى مركز طبي غير مؤهل بشكلٍ كاف، وقد يسبّب هذا الإنتان للمريض صدمةً إنتانيةً مؤديةً للوفاة. أما السبب الآخر لزيادة الأهبة للإنتان والعدوى هو ضرورة تناول الأدوية المثبطة للمناعة بعد هذا العمل الجراحي، مما يضعف جسم المريض، وتستطيع البكتيريا عندها بكل سهولة الدخول للجسم، وإحداث الأمراض. ^[5]