Skip links
ثلاثة موازين حرارية مكتوب بأسفل كل منها بالإنكليزية Celsius, Kelvin, Fahrenheit

الصفر المطلق – ماذا يعني؟ وهل يمكن الوصول إلى درجة حرارةٍ تساويه؟

الرئيسية » المقالات » الفيزياء » الصفر المطلق – ماذا يعني؟ وهل يمكن الوصول إلى درجة حرارةٍ تساويه؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هي درجة الحرارة؟

إن درجة الحرارة ببساطة مقياس لمدى سرعة تحرك الذرات أو الجزيئات داخل المادة أو بشكلٍ أكثر دقة، تمثل درجة الحرارة متوسط ​​الطاقة الحركية (Kinetic energy) لتلك الجزيئات. فكر في الأمر على أنه لعبة مراوغة على المستوي الذري، فعندما تضربك الكرة، فإنك تشعر بطاقتها، فما بالك إن كان هذا يحدث على مستوى الذرات والجزيئات، حيث تريليونات وتريليونات من تلك الضربات التي تحدث بنفس اللحظة، فبمقدار ما تحوي المادة من طاقةٍ حركية لهذه الاصطدامات بقدرٍ ما ترتفع درجة الحرارة لها.

ونستطيع أن نقول إن الذرات سريعة الحركة تصطدم بقوة، وهو ما نشعر به كارتفاعٍ في درجة الحرارة، فعندما يلمس جسم ساخن جسمًا باردًا، فإن الذرات الأسرع والأكثر سخونةً تنقل بعضًا من طاقتها الحركية إلى الذرات الأبطأ والأكثر برودة، فيبرد الجسم الساخن، ويصبح الجسم البارد أكثر دفئًا.

ما هو الصفر في الفيزياء؟

الفيزياء مليئةٌ بالأصفار، فكتلة الفوتون صفر، والنيوترون شحنته صفر، كذلك النقطة الرياضية طولها صفر، وقد تكون هذه الأصفار غير مألوفة، لكنها تتبع منطقًا رياضياً وفيزيائياً ثابتًا، فكلها تمثل غياب صفة معينة، مثل: الكتلة، أو الشحنة الكهربائية، أو المسافة، ولكن أكثر ما يحير الأذهان في الشيء الصفري هو حالة الصفر المطلق، فما هي هذه الحالة وماذا تمثل؟

هل الساخن والبارد أمران مطلقان أم نسبيان؟

نحن نميل إلى التفكير في السخونة والبرودة على أنها أشياء نسبية لا مُطلقة لكن كيف ذلك؟!. كوب من الشاي قد تعتبره ساخناً في البداية، لكن بالمقابل هو أبرد من النار على الموقد، وبنفس الوقت هو أكثر سخونةً من الماء الذي تشربه من البراد، وكذلك الماء الذي تشربه أكثر سخونةً من مكعب الثلج، فمهما ضربنا أمثلة عن جسم أنه بارد سنجد ما هو أبرد منه، وكذلك السخونة، لكن هل ينطبق ذلك علمياً على كل الأجسام دون استثناء؟

حقيقة هنالك استثناء، فهنالك الصفر المطلق الذي يعتبر أبرد شيء يمكن الوصول إليه، ولا يمكن أن نقول إن هنالك حالة أو شيء أبرد من هذه الحالة، لذلك يرفق اسمها بكلمة (المطلق)، والصفر هنا لا يعني الصفر المئوي الذي يتجمد الماء عنده، أي أن الصفر المطلق ليس حتى صفرًا على مقاييس درجة الحرارة المتعارف عليها، إنما تقابل سالب 273.15 درجة على مقياس مئوية، وهي ما ندعوه الـ (0) المطلق أو (0) كلفن (Kelvin).

ما هو الصفر المطلق؟

الصفر المطلق هو درجة الحرارة التي تكون عندها الجسيمات الموجودة في المادة بلا حراك تقريباً، فتكون بأبطأ صورةٍ لها، لذلك لا يمكن أن تكون هناك درجة حرارة أقل من ذلك.

من هو مكتشف الصفر المطلق؟

في عام 1702 اكتشف غيوم أمونتون (Guillaume Amontons) المفهوم الأساسي للصفر المطلق، حيث أظهرت تجاربه أن ضغط الهواء يتناسب مع درجة الحرارة، واستنتج أن هناك حدًا أدنى لدرجة الحرارة يبقى عندها هذا التناسب مع الضغط فعالاً.

فعند الوصول إلى درجة حرارة سالب 240 درجة مئوية يسقط هذا التناسب، ويفقد فعاليته لتغير خواص المادة بشكلٍ كامل عند هذه الدرجة، واليوم نحن نعلم أن سالب 240 درجة مئوية هي قيمة قريبة من القيمة الفعلية التي نعرفها للصفر المطلق، وهي سالب 273.15.

وفي عام 1848 قام عالم الفيزياء الأسكتلندي الأيرلندي ويليام طومسون (William Thomson) المعروف باسم اللورد كلفن (Lord Kelvin) بتوسيع عمل أمونتون، حيث قام بتطوير ما أسماه مقياس درجة الحرارة “المطلقة” (absolute) متخلصًا من الأرقام السالبة غير العملية في المقياس المئوي المعروف للجميع.

واعتبر صفر المقياس المطلق تقابل سالب 273.15 درجة مئوية، واليوم يعتمد الفيزيائيون بشكلٍ كبيرٍ على مقياس كلفن (K) لقياس درجة الحرارة أكثر من غيره، وتعتمد هذه الواحدة بشكلٍ واسعٍ في قياس درجة الحرارة ضمن القوانين الفيزيائية.

هل يتوقف كل شيء عن الحركة عند الصفر المطلق؟

فيزيائياً لا يوجد ذرة ساكنة تماماً لأنها تتأرجح بمقدار ما نتيجةً لتأثيراتٍ تتعلق بفيزياء الكم، وكذلك تستمر الإلكترونات في الحركة والاهتزاز بشكلٍ دائم، كما تفعل ذلك البروتونات والنيوترونات، إلا أنه عند الصفر المطلق تصبح الطاقة الحركية للذرات ومكوناتها معدومة، أي أن الذرات بما فيها من مكونات تصبح شبه ساكنة، أي نصل لأقرب حالة من حالات الكسل في المادة بما فيها عند السالب 273.15 درجة مئوية.

أين هو أبرد مكان في الكون؟

تعمل الطاقة المتبقية من الانفجار العظيم على تسخين الكون بأكمله، مما يبقيه أعلى بكثير من درجة الصفر المطلق، فأقل ​​درجة حرارة للفضاء متوسطها 2.74 كلفن، ومن المثير للدهشة أن بعض الأجرام السماوية أكثر برودةً من الفضاء الفارغ، فمثلاً: تتصرف سحابة الغاز المتوسعة التي تسمى سديم بوميرانج (Boomerang Nebula) مثل الثلاجة بين النجوم، حيث تبلغ درجة حرارته حوالي 1 كلفن، وهو أبرد موقع طبيعي معروف في الكون إلى الآن. [1]

هل توصلنا إلى درجة حرارة تساوي الصفر المطلق في المخابر؟

مخبرياً استخدمت التجارب المبكرة للمواد فائقة البرودة في التسعينيات، وهي تقنية تُعرف باسم التبريد بالليزر (laser cooling)، حيث يمارس الضوء قوةً على الذرات، مما يؤدي إلى إبطائها إلى درجات حرارةٍ باردة إلى حدٍّ معقول، لتبلغ درجة حرارة المادة حوالي 1 كلفن (-272.15 درجة مئوية).

وهذا منخفضٌ بما يكفي لرؤية السلوك الكمي (Quantum behavior) في المواد الصلبة والسوائل، ولكن بالنسبة للغازات التي ندرسها نحتاج إلى درجات حرارة تصل إلى 10 درجات نانو كلفن (النانو كلفن هو جزء من مليار جزء من الكلفن) للحصول على هذه التأثيرات الكمومية.

تمّ تسجيل أدنى درجة حرارة على الإطلاق في المختبر من قبل مجموعةٍ علمية في ألمانيا في عام 2021، حيث قام الفريق بإسقاط ذرات غاز ممغنطة في مسارٍ ارتفاعه 120 مترًا مع تشغيل وإيقاف الحقل المغناطيسي باستمرار لإبطاء الجزيئات إلى أقل درجةٍ ممكنة لتصبح بحالة شبه توقف وسكون.

هذا النوع من التجارب يسمى التبريد بالمصيدة المغناطيسية (magnetic trap cooling)، حيث وصلت الجسيمات الغازية إلى مستوى لا يصدق يبلغ 38 بيكوكلفن أي 38 جزءًا من تريليون جزء من الكلفن، وهذه الدرجة هي ضمن النطاق المناسب لبدء مراقبة التأثيرات الكمومية في الغازات.

حتى زمن كتابة هذا المقال ليس من الممكن الوصول لدرجة حرارةٍ أقل من الـ 38 بيكوكلفن، لأنه يجب التغلب على العديد من العقبات حتى نتجاوز هذا الحدّ للوصول إلى الصفر المطلق. [2]

المراجع البحثية

1- What is absolute zero? (2018, November 15). NBC News. Retrieved June 17, 2024

2- Atkinson, V. (2024, January 13). Is it possible to reach absolute zero? livescience.com. Retrieved June 17, 2024

Comments are closed.

This website uses cookies to improve your web experience.