تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

الرياضة محورٌ مهمٌّ لصحة الجسد والنفس، لأنها تتدخل في سلامة العديد من الأعضاء على مستوى الوظيفة، والخلايا، والتفاعلات الكيميائية، وتعتمد هذه التغيرات الفيزيائية في جسد الرياضي على تواتر القيام بالتمارين الرياضية، والمدة الزمنية المستغرقة في ذلك، والظروف المحيطة بالشخص المتمرن.

ما هي مصادر الطاقة المستخدمة في الجسم أثناء التمارين الرياضية؟

إن آلية عمل الجسم معقدة، وتختلف بشدةٍ بين ساعات الراحة والجهد، كما تختلف حسب شدة هذا الجهد، وإن الجزيء الأساسي المحرر للطاقة هو الأدينوزين ثلاثي الفوسفات، واختصاراً جزيء ((ATP) Adenosine Triphosphat) الذي يساعد في تحرير حوالي سبعة كيلو كالوري (kcal) من الجزيء الواحد، وهذه الجزيئات تكون جاهزةً للاستخدام الفوري، لكنها تُستهلك خلال مدةٍ زمنيةٍ قصيرة لا تتجاوز بضعة ثواني.

وبعدها يتمُّ تحرير الطاقة بآلية الأدينيل كيناز (Adenyl Kinase)، وهو إنزيمٌ يعمل على تفكيك الأدينوزين ثنائي الفوسفات إلى جزيئين هما: (ATP)، و(AMP) الأدينوزين ثلاثي الفوسفات، وأحادي الفوسفات على الترتيب، وهذه الطريقة أيضاً تساعد على تحرير الطاقة التي يحتاجها الجسم لفترةٍ قصيرة.

أما الطريقة الثالثة، وهي الأفضل هي جملة الفوسفو كرياتين (Phosphocreatine)، لأنه مركبٌ غنيٌّ بالطاقة، ويسدُّ حاجات الجسم لحين تفعيل الاستقلاب، وإعادة تصنيع الـ (ATP) من الجليكوجين المخزن في الكبد والعضلات بشكلٍ أساسي، والغلوكوز الموجود في الدم أو المدخل إلى خلايا الجسم بفعل الأنسولين.

فيعمل الجسم على تحويل المواد السابقة إلى جزيئات البيروفات بتوافر كميةٍ جيدةٍ من غاز الأوكسجين، فيدخل بعدها مركب البيروفات إلى حلقة كريبس المعروفة في الكيمياء الحيوية للجسم عبر إنزيم إستيل كوأنزيم أو (Acetyle CoA)، فينتج عن ذلك المركب الأخير، وهو الماء (H2O). أما في غياب الأوكسجين الكافي سيتشكل حمض اللبن أو  (Lactic Acid) الذي يتجمع في الخلايا العضلية، وتطرح عن طريق العرق وهواء الزفير كونها مركبٌ سام.

تعتبر الدهون المصدر الأهم والأفضل للطاقة مقارنةً مع السكريات لأنها تمدُّ الجسم بالطاقة أثناء التمارين الرياضية لفترةٍ أطول، حيث أثبتت الدراسات أنه يتمُّ تحرير مئة وتسعة وعشرين جزيء من الأدينوزين ثلاثي الفوسفات من الحمض الدسم، لذلك مصادر الدسم والدهون تكون خياراً ممتازاً للأشخاص الذين يقومون بالتمارين المجهدة أو يتمرنون لفترةٍ زمنيةٍ طويلة، كعدّائي الماراثون.

أما البروتينات فلا تعدُّ مصدراً لتحرير الطاقة أثناء التمارين الرياضية، وإنما تساعد في تركيب وتضخيم الألياف العضلية، ويفضل تناولها بعد التمرين. ^{[1] [2] [3]}

ما التغييرات الفيزيائية التي تحصل في جسد الرياضي؟

تطرأ التغييرات الفيزيائية في جسد الرياضي ككل، وبالأخص على الجهاز القلبي، والوعائي، والتنفسي، والعضلي الهيكلي بشكلٍ مباشر، وذلك نتيجة زيادة استهلاك الأوكسجين، وتبدأ هذه التغييرات بدءاً من الأشهر الأولى على الشكل التالي: ^{[1] [3] [4] [5]}

1- الجهاز القلبي (cardiac system)

يزداد وزن القلب وحجمه تدريجياً أثناء ممارسة الرياضة، وذلك بسبب ضخامة الألياف العضلية القلبية (Hypertrophy) لمعاوضة الجهد المبذول أثناء التمارين، إضافةً إلى ذلك تزداد ثخانة جدار البطين الأيسر نتيجة زيادة ورود الدم داخله، وازدياد الضغط على جدرانه، وبالتالي يزداد حجم الدفقة، وهي مقدار الدم الناتج عن ضخ البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر، ومنه إلى الجسم كله.

2- الجهاز الوعائي (vascular system)

تبدأ الأوعية الشعرية الخاصة بالعضلات بالازدياد بنسبة خمسة عشر بالمئة مقارنةً مع وضع الراحة لكي تلبي حاجة العضلات من الدم والأوكسجين، نتيجة نشاطها الزائد، واستهلاكها للطاقة والأوكسجين أثناء التمارين الرياضية.

3- الجهاز التنفسي (Respiratory system)

من أهمّ التغييرات الفيزيائية في جسد الرياضي تكون على مستوى الجهاز التنفسي، إذ يزيد الحجم المتبقّي في الرئة، وهو كمية الهواء المتبقية في الأسناخ بعد الزفير، كما تزداد سرعة التنفس فوق الحدّ الطبيعي الذي يبلغ من ستة عشر إلى عشرين مرة في الدقيقة لدى البالغين، وذلك لمعاوضة نقص الأوكسجين وزيادة غاز ثنائي أكسيد الكربون لدى الرياضيين.

4- الجهاز العضلي الهيكلي (Mascularskeletal system)

يقوى الجهاز العضلي الهيكلي بفعل التمارين الرياضية، وخاصةً التي تركز على المقاومة، مثل: رفع الأثقال، ويجب التنويه على وجود نوعين من الألياف العضلية في العضلات المخططة، إذ يعمل النوع الأول بكفاءةٍ عالية في التمارين التي تتطلب التدريب لمدةٍ زمنيةٍ طويلة، مثل: سباق الماراثون، ويمتاز النمط الثاني من الألياف العضلية في التمارين السريعة، كالعدو السريع (Sprinting).

5- الهرمونات والحالة النفسية (Hormones and psychological health)  

لا يمكن الحديث عن التغيرات الفيزيائية في جسد الرياضي دون ذكر التأثير النفسي الإيجابي للرياضة على صحة الإنسان، عند القيام بالتمارين يفرز الجسم النواقل العصبية المحسنة للمزاج، مثل: النورابنفرين، أو النورأدرينالين (Norepinephrine)، والسيروتونين (Serotonin)، وتكمن ميزة هذه الهرمونات في أن تأثيرها يبقى لفترةٍ طويلةٍ تمتدُّ من ساعتين إلى أربع ساعات حسب طبيعة الشخص.

فوائد التغييرات الفيزيائية في جسد الرياضي المريض

ينصح الأطباء بممارسة الرياضة لدى المرضى المصابين بالاضطرابات الاستقلابية، مثل: مرضى السكري، والضغط، وارتفاع الكولسترول، والشحوم الثلاثية، وذلك لضبط مستوى هذه المواد في الدم، والحدّ من الاختلاطات الناتجة عنها مع اتباع حميةٍ مناسبة لكل شخصٍ على حدة للحصول على نتيجةٍ جيدة، بالإضافة إلى هؤلاء المرضى ينصح أطباء النسائية مريضات المبيض متعدد الكييسات بالرياضة، لأنها تساهم في استتباب الجسم، والحفاظ على توازنه.

يدعم الأطباء كذلك القيام بالتمارين الرياضية في حالات ألم الظهر والمفاصل، للمساعدة في تخفيف الألم، وتحسين كفاءة الحركة لدى المرضى، وقد تغني التمارين الرياضية عن الأدوية المسكنة والمرممة إذا تمّت تأديتها بشكلٍ أكاديمي بإشراف مدربٍ مختص، كما تساعد اليوغا وتمارين التمدد المرضى ذوي الاضطرابات النفسية على تحسين نظرتهم للحياة، والشعور بالإنجاز، والأهمية في المجتمع.

خلاصة القول: إن التغييرات الفيزيائية في جسد الرياضي الملتزم تغنيه عن زيارة الأطباء، وتقوي جسمه من كافة النواحي، لذا يجب إضافة التمارين الرياضية إلى الروتين اليومي لتحسين نوعية الحياة. ^[6]