Skip links
فتاة سمراء اللون ترتدي ثياب متسخة وممزقة وتجلس على رصيف الطريق

تشرُّد الأطفال – أسبابه، آثاره وطرق الحدّ من هذه الظاهرة

الرئيسية » مُشكلة » تشرُّد الأطفال – أسبابه، آثاره وطرق الحدّ من هذه الظاهرة

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

التشرُّد هو ظاهرةٌ اجتماعية تعني افتقار الأفراد إلى مأوى دائمٍ وآمنٍ للعيش فيه، حيث يعاني المُشرّدون من غياب الاستقرار السكني، مما يدفعهم للإقامة في الشوارع أو في أماكن غير ملائمةٍ للسكن، مثل: الملاجئ، أو المساكن المؤقتة، وسنسلط الضوء في هذا المقال على ظاهرة تشرُّد الأطفال التي تعدُّ واحدةً من أكثر الظواهر المؤلمة والمأساوية التي تواجه المجتمعات الحديثة، والتي يجب أن نكون على درايةٍ بأسبابها ونتائجها على الأطفال والمجتمع.

ما هي أسباب تشرُّد الأطفال؟

تشرُّد الأطفال هو نتيجةٌ لمجموعةٍ من الأسباب المُعقّدة والمتشابكة التي تؤثر على حياتهم بشكلٍ مباشر، ومن أبرز هذه الأسباب:

1- الفقر

حيث يعدُّ أحد الأسباب الرئيسية لتشرُّد الأطفال، فعندما تعاني الأسر من صعوباتٍ ماليةٍ كبيرة، قد تعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل: السكن، الطعام، والرعاية الصحية، مما يدفع الأطفال إلى الشوارع بحثاً عن وسائل البقاء.

2- التفكُّك الأسري

ويعني هذا النزاعات العائلية، الطلاق، أو وفاة أحد الوالدين، وهذه جميعها أسباب يمكن أن تؤدي إلى تفكّك الأسرة، ففي بعض الحالات يهرب الأطفال من المنازل التي تعاني من مشاكل عائلية أو التي يُهمَلون فيها، ويُترَكون بلا اهتمام.

3- العنف الأسري

الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة الجسدية، العاطفية، أو النفسية في منازلهم قد يهربون بحثاً عن الأمان، حيث يُعتبر العنف الأسري دافعاً قوياً للأطفال للابتعاد عن بيئة منازلهم غير الآمنة.

4- الحروب والنزاعات

تؤدي الحروب إلى نزوح عائلاتٍ بأكملها، حيث قد يفقد الأطفال آباءهم أو يجدون أنفسهم بلا مأوى نتيجةً لتدمير منازلهم، وتُعدُّ من أبشع الأسباب التي تدفع الأطفال للتشرُّد.

5- الإدمان وسوء الصحة النفسية للوالدين

قد يعاني الوالدان من مشكلات، مثل: الإدمان على المخدرات، أو الكحول، أو مشكلاتٍ نفسية تجعلهم غير قادرين على رعاية أطفالهم بشكلٍ صحيح، ونتيجةً لذلك قد يجد الأطفال أنفسهم في الشارع باحثين عن الأمان.

6- نقص التعليم وفرص العمل

إن عدم وجود فرصٍ تعليمية أو اقتصادية في بعض المجتمعات يمكن أن يؤدي إلى ترك الأطفال يعملون في الشوارع لدعم أسرهم، وفي كثيرٍ من الحالات يصبحون مشردين نتيجةً للظروف المعيشية الصعبة.

هذه العوامل وغيرها تشكل مزيجاً معقّداً يقود الأطفال إلى التشرُّد.

 ما هي آثار التشرُّد على الأطفال؟

تشرُّد الأطفال له تأثيراتٌ خطيرة وطويلة الأمد على نموّهم الجسدي، والنفسي، والاجتماعي، وهذه الآثار تتجاوز فترة التشرُّد نفسها، وتؤثر على مستقبلهم بشكلٍ كبير، ومن أبرزها:

1- الآثار الجسدية

سوء التغذية

الأطفال المشرّدون غالباً ما يفتقرون إلى الطعام الصحي والمُغذّي، مما يؤثر على نموّهم البدني، ويعرّضهم لأمراض نقص التغذية.

الأمراض

نتيجةً لقلة النظافة، والعيش في بيئاتٍ غير صحية، فيصبح الأطفال المشردون عرضةً لأمراضٍ معدية، مثل: التهابات الجهاز التنفُّسي، الأمراض الجلدية، وأمراض الجهاز الهضمي.

التعرُّض للمخاطر

مثل: الحوادث، العنف الجسدي، والاستغلال.

2- الآثار النفسية

الصدمات النفسية

فالأطفال الذين يواجهون التشرُّد قد يعانون من تجارب صادمة، مثل: العنف، أو فقدان الأسرة، مما يؤدي إلى تعرُّضهم لاضطراباتٍ نفسية، مثل: الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة.

انعدام الأمان

العيش دون مأوى ثابت يجعل الأطفال يشعرون بالخوف والقلق الدائمين حول سلامتهم ومستقبلهم.

انخفاض الثقة بالنفس

تجربة التشرُّد تحطم الشعور بالثقة، وتجعل الأطفال يشعرون بالعزلة والانفصال عن المجتمع.

3- الآثار التعليمية

الانقطاع عن التعليم

الأطفال المشرّدون غالباً ما يتركون المدارس أو لا يحصلون على التعليم أساساً، مما يحدُّ من فرصهم في المستقبل، ويزيد من احتمالية الفقر، والاستمرار في دوامة التشرُّد.

صعوبات التعلم

الظروف النفسية والمعيشية الصعبة تؤثر على تركيز الأطفال، وقدرتهم على التعلم، مما ينعكس على أدائهم الأكاديمي في حال استمرار ارتيادهم المدرسة.

4- الآثار الاجتماعية

العزلة الاجتماعية

يعاني الأطفال المشرّدون من العزلة عن أقرانهم والمجتمع بشكلٍ عام، مما يؤدي إلى انعدام الفرص بتكوين علاقاتٍ اجتماعية والشعور بالانتماء.

الاستغلال والانتهاك

الأطفال المشرّدون غالباً ما يكونون عرضةً للاستغلال الجنسي أو العمالة القسرية نتيجةً لافتقارهم إلى الحماية القانونية والمُجتمعية.

الانخراط في سلوكياتٍ خطرة

قد ينخرط بعض الأطفال في أنشطةٍ غير قانونية أو خطيرة، مثل: تعاطي المخدرات، السرقة، أو أعمال العنف.

5- الآثار المستقبلية

استمرار الفقر

بسبب غياب التعليم والتدريب سيواجه الأطفال المشرّدون صعوبةً في العثور على وظائف في المستقبل، مما يحدُّ من فرصهم في الخروج من دائرة الفقر والتشرّد.

المشاكل النفسية طويلة الأمد

العديد من الأطفال المشرّدين يعانون من مشكلاتٍ نفسية تستمر معهم حتى مرحلة البلوغ، مثل: الاكتئاب المزمن، والقلق، واضطرابات العلاقات الشخصية.

ما هي آثار تشرُّد الأطفال على المجتمع؟

إن تشرُّد الأطفال لا يؤثر فقط على الأفراد أنفسهم، بل له تأثيراتٌ كبيرة على المجتمع ككل، فعلاوةً على الفقر والبطالة يُسبّب تشرّد الأطفال مشكلاتٍ أخرى يعاني منها المجتمع، ومن أبرزها:

1- الحاجة المُلحّة إلى زيادة مراكز الرعاية الاجتماعية

فالمجتمعات التي تضمُّ أعداداً كبيرةً من الأطفال المشرّدين قد تضطر إلى تخصيص موارد أكبر للرعاية الاجتماعية، كمراكز الإيواء والرعاية الصحية، مما يضع ضغوطاً على الميزانية العامة، ويقلّل من الأموال المُتاحة لتطوير القطاعات الأخرى.

2- الضغط على البنية التحتية

إن تزايد عدد المشرّدين يسبّب ضغطاً إضافياً على البنية التحتية في المجتمع، مثل: المستشفيات، والمدارس، وهذا يؤدي إلى إرهاق الأنظمة الاجتماعية، وتراجعٍ في مستوى الخدمات المقدّمة.

3- الاضطرابات الاجتماعية

قد يؤدي ارتفاع معدلات التشرّد إلى زيادةٍ في التوترات الاجتماعية والسياسية، مما قد يخلق بيئةً خصبةً للاحتجاجات أو أعمال العنف.

4- فقدان رأس المال البشري

فالأطفال المشرّدون يفقدون فرصة التعلم والتطور، مما يعني فقدان جيلٍ من القوى العاملة المستقبلية المؤهلة، وهو ما يؤدي إلى ضعف إنتاجية المجتمع ككل لأن القوى العاملة غير المؤهلة تؤثر على النمو الاقتصادي، وتحدّ من القدرة التنافسية للدولة على المستوى العالمي.

 كيف يمكن الحدّ من ظاهرة تشرّد الأطفال؟

إن الحدّ من ظاهرة تشرّد الأطفال يتطلب جهوداً شاملةً ومتكاملةً تتضمن السياسات الحكومية، المبادرات المجتمعية، والدعم الدولي، وهنا بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في تقليل هذه الظاهرة:

1- تعزيز دعم الأسر الفقيرة

نظراً لكون الفقر أحد الأسباب الرئيسية لتشرّد الأطفال، لذا يجب مكافحته من خلال توفير دعمٍ مالي ومعيشي للأسر الفقيرة، كتقديم إعاناتٍ حكومية، توفير برامج ضمان اجتماعي وتأمين صحي، حيث تساهم هذه البرامج في تحسين مستوى معيشة الأسر، وتجنّب تفككها.

2- توفير فرص عمل

من الضروري دعم الأسر من خلال توفير فرص عملٍ مُستدامةٍ خاصةً للعائلات التي تعاني من البطالة أو الدخل المنخفض لمساعدتها على استقرار وضعها المعيشي، وبالتالي التقليل من احتمالات تشرّد الأطفال.

3- تحسين نظام التعليم

وهذا من خلال توفير التعليم المجاني والإلزامي للجميع بما في ذلك الأطفال المشرّدين للمساعدة في بناء مستقبلٍ أفضل لهم، بالإضافة إلى تقديم برامج تعليمية مرنة تناسب ظروفهم، وإنشاء مدارس متنقلة أو مراكز تعليمية خاصة لاستيعابهم.

4- تقديم دعمٍ نفسي واجتماعي للأسر

يتمّ ذلك عبر برامج التدخل المبكر التي توفر برامج دعمٍ نفسي واجتماعي للأسر التي تواجه صعوباتٍ نفسيةٍ أو اجتماعية، مثل: العنف الأسري، أو الإدمان، بالإضافة إلى تقديم جلساتٍ استشارية لتعليم الوالدين مهارات الأبوة والأمومة لتحسين علاقتهم مع أطفالهم، حيث يمكن أن يساعد هذا في تقليل النزاعات الأسرية، وحماية الأطفال من الهروب أو التشرّد.

5- تعزيز التشريعات لحماية الأطفال

يجب تقوية التشريعات التي تحمي الأطفال من التشرّد والاستغلال، وتنفيذ قوانين تضمن حماية حقوق الأطفال، وتمنع إهمالهم أو إساءة معاملتهم، وتوفير مراكز إيواء آمنة ومجهزة للأطفال المشرّدين تمكّنهم من الحصول على الرعاية الأساسية، مثل: الغذاء، والملابس، وكذلك الدعم النفسي والاجتماعي.

6- زيادة الوعي المُجتمعي

وذلك بإطلاق حملات توعيةٍ للمجتمع حول أهمية الحفاظ على الأطفال وحمايتهم، والتعرّف على دور كل فردٍ في مساعدة الأطفال المشرّدين ودعمهم، وأيضاً تشجيع المجتمع المحلي على المشاركة في مبادراتٍ تطوعية تساعد في رعاية الأطفال المشرّدين.

7- دعم التدريب المهني والتوظيف

من الضروري تقديم برامج تدريب مهني لهؤلاء الأطفال ليتمكنوا من اكتساب مهاراتٍ تؤهلهم دخول سوق العمل مستقبلاً، والحصول على حياةٍ مستقرة.

8- التعاون بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية

وهذا من أجل وضع استراتيجياتٍ مشتركة لمحاربة تشرّد الأطفال يشمل ذلك تقديم الدعم المالي، والخدمات اللوجستية والإدارية، وتقوية أنظمة الرعاية الاجتماعية بما يكفي لتحديد العائلات والأطفال المعرّضين للخطر، والتدخل قبل أن يصلوا إلى مرحلة التشرّد.

9- التعامل مع حالات الطوارئ والكوارث

أي الاستعداد الكامل للكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة من خلال تحسين أنظمة الاستجابة للكوارث، وتأمين مأوى طارئ للأطفال في هذه الحالات.

10- مكافحة الاتجار بالأطفال والاستغلال

عن طريق تعزيز الإجراءات القانونية لمكافحة الاتجار بالأطفال واستغلالهم، وضمان حماية الأطفال من هذه الانتهاكات.

في الختام يمكننا القول إن تشرّد الأطفال يمثل جرحاً عميقاً في ضمير المجتمعات يعكس ليس فقط الفقر أو الفشل في توفير الاحتياجات الأساسية، بل أيضا الخلل في العدالة الاجتماعية والإنسانية، فمنح هؤلاء الأطفال حياةً كريمةً هو اختبارٌ حقيقيّ لقدرة المجتمعات على التضامن والرحمة، وعلى إدراك أن استقرار وازدهار أي مجتمعٍ يبدأ من حماية أضعف حلقاته. [1]

المراجع البحثية

1- Institute of Medicine, & Committee on Health Care for Homeless People. (1988). Homelessness, health, and human needs (UK ed. edition). National Academies Press. Retrieved September 21, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.